فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

وقوله تعالى: {وادعوا شهداءكم} معناه دعاء استصراخ، والشهداء من شهدهم وحضرهم من عون ونصير، قاله ابن عباس. وقيل عن مجاهد: إن المعنى دعاء استحضار.
والشهداء جمع شاهد، أي من يشهد لكم أنكم عارضتم، وهذا قول ضعيف.
وقال الفراء: شهداؤهم يراد بهم آلهتهم.
وقوله تعالى: {إن كنتم صادقين} أي فيما قلتم من الريب. هذا قول بعض المفسرين.
وقال غيره: فيما قلتم من أنكم تقدرون على المعارضة. ويؤيد هذا القول أنه قد حكى عنهم في آية أخرى: {لو نشاء لقلنا مثل هذا} [الأنفال: 31]. اهـ.

.قال الألوسي:

قوله تعالى: {وادعوا شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ الله إِن كُنتُمْ صادقين}.
الدعاء النداء والاستعانة، ولعل الثاني مجاز أو كناية مبنية على النداء لأن الشخص إنما ينادى ليستعان به، ومنه {أَغَيْرَ الله تَدْعُونَ} [الأنعام: 0 4] والشهداء جمع شهيد أو شاهد، والشهيد كما قال الراغب: كل من يعتد بحضوره ممن له الحل والعقد، ولذا سموا غيره مخلفًا وجاء بمعنى الحاضر، والقائم بالشهادة والناصر والإمام أيضًا.
و{دُونِ} ظرف مكان لا ينصرف ويستعمل بمن كثيرًا وبالباء قليلًا، وخصه في البحر بمن دونها ورفعه في قوله:
ألم تريا أني حميت حقيقتي ** وباشرت حد الموت والموت دونها

نادر لا يقاس عليه ومعناها أقرب مكان من الشيء فهو كعند إلا أنها تنبئ عن دنو كثير وانحطاط يسير، ومنه دونك اسم فعل لا تدوين الكتب خلافًا للبيضاوي كما قيل لأنه من الديوان الدفتر ومحله، وهي فارسي معرب من قول كسرى إذ رأى سرعة الكتاب في كتابتهم وحسابهم ديوانه.
وقد يقال لا بعد فيما ذكره البيضاوي وديوان مما اشتركت فيه اللغتان، وقد استعمل في انحطاط محسوس لا في ظرف كدون زيد في القامة ثم استعير للتفاوت في المراتب المعنوية تشبيهًا بالمراتب الحسية كدون عمرو شرفًا ولشيوع ذلك اتسع في هذا المستعار فاستعمل في كل تجاوز حد إلى حد ولو من دون تفاوت وانحطاط، وهو بهذا المعنى قريب من غير فكأنه أداة استثناء، ومن الشائع دون بمعنى خسيس فيخرج عن الظرفية ويعرف بأل ويقطع عن الإضافة كما في قوله:
إذا ما علا المرء راح العلا ** ويقنع بالدون من كان دونا

وما في القاموس من أنه يقال رجل من دون، ولا يقال دون مخالف للدراية والرواية، وليس عندي وجه وجيه في توجيهه، والمشهور أنه ليس لهذا فعل، وقيل يقال: دان يدين منه واستعماله بمعنى فضلًا وعليه حمل قول أبي تمام:
الود للقربى ولكن عرفه ** للأبعد الأوطان دون الأقرب

لم يسلمه أرباب التنقير نعم قالوا: يكون بمعنى وراء كأمام وبمعنى فوق ونقيضًا له.
ومن لابتداء الغاية متعلقة بادعوا، ودون تستعمل بمعنى التجاوز في محل النصب على الحال، والمعنى ادعوا إلى المعارضة من يحضركم أو من ينصركم بزعمكم متجاوزين الله تعالى في الدعاء بأن لا تدعوه، والأمر للتعجيز والإرشاد أو ادعوا من دون الله من يقيم لكم الشهادة بأن ما أتيتم به مماثله فإنه لا يشهدون، ولا تدعوا الله تعالى للشهادة بأن تقولوا الله تعالى شاهد وعالم بأنه مثله فإن ذلك علامة العجز والانقطاع عن إقامة البينة والأمر حينئذ للتبكيت والشهيد على الأول بمعنى الحاضر، وعلى الثاني بمعنى الناصر، وعلى الثالث بمعنى القائم بالشهادة، قيل: ولا يجوز أن يكون بمعنى الإمام بأن يكون المراد بالشهداء الآلهة الباطلة لأن الأمر بدعاء الأصنام لا يكون إلا تهكمًا، ولو قيل: ادعوا الأصنام ولا تدعوا الله تعالى ولا تستظهروا به لانقلب الأمر من التهكم إلى الامتحان إذ لا دخل لإخراج الله تعالى عن الدعاء في التهكم، وفيه أن أيّ تهكم وتحميق أقوى من أن يقال لهم استعينوا بالجماد ولا تلتفتوا نحو رب العباد؟ ولا يجوز حينئذ أن تجعل دون بمعنى القدام إذ لا معنى لأن يقال ادعوها بين يدي الله تعالى أي في القيامة للاستظهار بها في المعارضة التي في الدنيا، وجوزوا أن تتعلق من ب {شُهَدَاءكُمُ} وهي للابتداء أيضًا، و{دُونِ} بمعنى التجاوز في محل النصب على الحال والعامل فيه معنى الفعل المستفاد من إضافة الشهداء أعني الاتخاذ، والمعنى ادعوا الذين اتخذتموهم أولياء من دون الله تعالى، وزعمتم أنها تشهد لكم يوم القيامة، ويحتمل أن يكون {دُونِ} بمعنى أمام حقيقة أو مستعارًا من معناه الحقيقي الذي يناسبه أعني به أدنى مكان من الشيء وهو ظرف لغو معمول لشهداء ويكفيه رائحة الفعل فلا حاجة إلى الاعتماد ولا إلى تقدير ليشهدوا، ومن للتبعيض كما قالوا في: {مّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} [الرعد: 11] لأن الفعل يقع في بعض الجهتين، وظاهر كلام الدماميني في شرح التسهيل: أنها زائدة، وهو مذهب ابن مالك، والجمهور على أنها ابتدائية، والمعنى ادعوا الذين يشهدون لكم بين يدي الله عز وجل على زعمكم، والأمر للتهكم، وفي التعبير عن الأصنام بالشهداء ترشيح له بتذكير ما اعتقدوه من أنها من الله تعالى بمكان، وأنها تنفعهم بشهادتهم كأنه قايل: هؤلاء عدتكم وملاذكم فادعوهم لهذه العظيمة النازلة بكم فلا عطر بعد عروس، وما وراء عبادان قرية ولم تجعل {دُونِ} بمعنى التجاوز لأنهم لا يزعمون شركته تعالى مع الأصنام في الشهادة فلا وجه للإخراج، وقيل يجوز أن تكون {مِنْ} للابتداء والظرف حال ويحذف من الكلام مضاف، والمعنى: ادعوا شهداءكم من فصحاء العرب وهم أولياء الأصنام متجاوزين في ذلك أولياء الله ليشهدوا لكم أنكم أتيتم بمثله، والمقصود بالأمر حينئذ إرخاء العنان والاستدراج إلى غاية التبكيت كأنه قيل: تركنا إلزامكم بشهداء الحق إلى شهدائكم المعروفين بالذب عنكم فإنهم أيضًا لا يشهدون لكم حذارًا من اللائمة وأنفة من الشهادة ألبتة البطلان، كيف لا وأمر الإعجاز قد بلغ من الظهور إلى حيث لم يبق إلى إنكاره سبيل؟ وإخراج الله تعالى على بعض الوجوه لتأكيد تناول المستثنى منه بجميع ما عداه لا لبيان استبداده تعالى بالقدرة على ما كلفوه لإيهامه أنهم لو دعوه تعالى لأجابهم إليه وعلى بعض للتصريح من أول الأمر ببراءتهم منه تعالى وكونهم في عروة المحادة والمشاقة له قاصرين استظهارهم على ما سواه، والالتفات إما لإدخال الروع وتربية المهابة أو للإيذان بكمال سخافة عقولهم حيث آثروا على عبادة من له الألوهية الجامعة عبادة من لا أحقر منه والصدق مطابقة الواقع والمذاهب فيه مشهورة، وجواب {إن} محذوف لدلالة الأول عليه وليس هو جوابًا لهما، وكذا متعلق الصدق أي: إن كنتم صادقين بزعمكم في أنه كلام البشر أوفي أنكم تقدرون على معارضته فأتوا، وادعوا فقد بلغ السيل الزبى، وهذا كالتكرير للتحديد والتأكيد له، ولذا ترك العطف وجعل المتعلق الارتياب لتقدمه مما لا ارتياب في تأخره لأن الارتياب من قبيل التصور الذي لا يجري فيه صدق ولا كذب، والقول بأن المراد: إن كنتم صادقين في احتمال أنه كذا مع ما فيه من التكلف لا يجدي نفعًا لأن الاحتمال شك أيضًا، ومن التكلف بمكان قول الشهاب: إن المراد من النظم الكريم الترقي في إلزام الحجة، وتوضيح المحجة، فالمعنى إن ارتبتم فأتوا بنظيره ليزول ريبكم ويظهر أنكم أصبتم فيما خطر على بالكم وحينئذ فإن صدقت مقالتكم في أنه مفتري فأظهروها ولا تخافوا هذا، ووجه ملائمة الآية لما قلناه في الآية السابقة أنه سبحانه وتعالى أمرهم بالاستعانة إما حقيقة أو تهكمًا بكل ما يعينهم بالإمداد في الإتيان في المثل أو بالشهادة على أن المأتي به مثل ولا شك أن ذلك إنما يلائم إذا كانوا مأمورين بالإتيان بالمثل بخلاف ما إذا كان المأمور واحدًا منهم فإنهم باعثون له على الإتيان فالملائم حينئذ نسبة الشهداء إليه لأنهم شهداء له، وإن صح نسبته إليهم باعتبار مشاركتهم إياه في تلك الدعوى بالتحريك والحث والقول بأنهم مشاركون للمأتي منه في دعوى المماثلة ليس بشيء لأنه شهادة على المماثلة ثم ترجيح رجوع الضمير للمنزل يقتضي ترجيح كون الظرف صفة للسورة أيضًا، وقد أورد هاهنا أمور طويلة لا طائل تحتها. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقولُه تعالى: {وادعوا شهداءكم من دون الله} معطوف على {فأتوا بسورة} أي ائتوا بها وادعوا شهداءكم.
والدعاء يستعمل بمعنى طلب حضور المدعو، وبمعنى استعطافه وسؤاله لفعل ما، قال أبو فراس يخاطب سيف الدولة ليفديه من أسر ملك الروم:
دَعَوْتُك للجفن القريح المسهد ** لديّ وللنوم الطريد المشرد

والشهداء جمع شهيد فعيل بمعنى فاعل من شهد إذا حضر، وأصله الحاضر قال تعالى: {ولا يَأْبَ الشهداء إذا ما دُعُوا} [البقرة: 282] ثم استعمل هذا اللفظ فيما يلازمه الحضور مجازًا أو كناية لا بأصل وضع اللفظ، وأطلق على النصير على طريقة الكناية فإن الشاهد يؤيد قول المشهود فينصره على معارضه ولا يطلق الشهيد على الإمام والقدوة وأثبته البيضاوي ولا يعرف في كتب اللغة ولا في كلام المفسرين.
ولعله انجر إليه من تفسير الكشاف لحاصل معنى الآية فتوهمه معنى وضعيًا فالمراد هنا ادعوا آلهتكم بقرينة قوله: {من دون الله} أي ادعوهم من دون الله كدأبكم في الفزع إليهم عند مهماتكم معرضين بدعائهم واستنجادهم عن دعاء الله واللجأ إليه ففي الآية إدماج توبيخهم على الشرك في أثناء التعجيز عن المعارضة وهذا الإدماج من أفانين البلاغة أن يكون مراد البليغ غرضين فيقرن الغرض المسوق له الكلام بالغرض الثاني وفيه تظهر مقدرة البليغ إذ يأتي بذلك الاقتران بدون خروج عن غرضه المسوق له الكلام ولا تكلف.
قال الحرث بن حلّزة:
آذنتنا ببينها أسماءُ ** رب ثاوٍ يَمَلّ منه الثّواءُ

فإن قوله: رب ثاو عند ذكر بعد الحبيبة والتحسر منه كناية عن أن ليست هي من هذا القبيل الذي يمل ثواؤه.
وقد قضى بذلك حق إرضائها بأنه لا يحفل بإقامة غيرها، وقد عد الإدماج من المحسنات البديعة وهو جدير بأن يعد في الأبواب البلاغية في مبحث الإطناب أو تخريج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر، فإن آلهتهم أنصار لهم في زعمهم.
ويجوز أن يكون المراد ادعوا نصراءكم من أهل البلاغة فيكون تعجيزًا للعامة والخاصة، وادعوا من يشهد بمماثلة ما أتيتم به لما نزلنا، على نحو قوله تعالى: {قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا} [الأنعام: 150] ويكون قوله: {من دون الله} على هذه الوجوه حالًا من الضمير في ادعوا أو من شهداءكم أي في حال كونكم غير داعين لذلك الله أو حال كون الشهداء غير الله بمعنى اجعلوا جانب الله الذي أنزل الكتاب كالجانب المشهود عليه فقد أذناكم بذلك تيسيرًا عليكم لأن شدة تسجيل العجز تكون بمقدار تيسير أسباب العمل، وجوز أن يكون دون بمعنى أمام وبين يدي يعني ادعوا شهداءكم بين يدي الله، واستشهد له بقول الأعشى:
تريك القَذى من دونها وهي دونهُ ** إذا ذاقَها من ذاقها يتمطِّق

كما جوز أن يكون {من دون الله} بمعنى من دون حزب الله وهم المؤمنون أي أحضروا شهداء من الذين هم على دينكم فقد رضيناهم شهودًا فإن البارع في صناعة لا يرضى بأن يشهد بتصحيح فاسدها وعكسه إباءَة أن ينسب إلى سوء المعرفة أو الجور، وكلاهما لا يرضاه ذو المروءة وقديمًا كانت العرب تتنافر وتتحاكم إلى عقلائها وحكامها فما كانوا يحفظون لهم غلطًا أو جورًا.
وقد قال السموأل:
إنا إذا مالت دواعي الهوى ** وأنصت السامع للقائل

لا نجعل الباطل حقًا ولا ** نلظ دون الحق بالباطل

نخاف أن تسفه أحلامنا ** فنخمُل الدهر مع الخامل

وعلى هذا التفسير يجئ قول الفقهاء إن شهادة أهل المعرفة بإثبات العيوب أو بالسلامة لا تشترط فيها العدالة، وكنت أعلل ذلك في دروس الفقه بأن المقصود من العدالة تحقق الوازع عن شهادة الزور، وقد قام الوازع العلمي في شهادة أهل المعرفة مقام الوازع الديني لأن العارف حريص ما استطاع أن لا يؤثر عنه الغلط والخطأ وكفى بذلك وازعًا عن تعمده وكفى بعلمه مظنة لإصابة الصواب فحصل المقصود من الشهادة.
وقوله: {إن كنتم صادقين} اعتراض في آخر الكلام وتذييل.
أتى بإن الشرطية التي الأصل في شرطها أن يكون غير مقطوع بوقوعه لأن صدقهم غير محتمل الوقوع وإن كنتم صادقين في أن القرآن كلام بشر وإنكم أتيتم بمثله.
والصدق ضد الكذب وهما وصفان للخبر لا يخلو عن أحدهما فالصدق أن يكون مدلول الكلام الخبري مطابقًا ومماثلًا للواقع في الخارج أي في الوجود الخارجي احترازًا عن الوجود الذهني، والكذب ضد الصدق وهو أن يكون مدلول الكلام الخبري غير مطابق أي غير مماثل للواقع في الخارج، والكلام موضوع للصدق وأما الكذب فاحتمال عقلي والإنشاء لا يوصف بصدق ولا كذب إذ لا معنى لمطابقته لما في نفس الأمر لأنه إيجاد للمعنى لا للأمور الخارجية.
هذا معنى الصدق والكذب في الإطلاق المشهور.
وقد يطلق الكذب صفة ذم فيلاحظ في معناه حينئذٍ أن مخالفته للواقع كانت عن تعمد فتوهم الجاحظ أن ماهية الكذب تتقوم من عدم مطابقة الخبر للواقع وللاعتقاد معًا وسرى هذا التقوم إلى ماهية الصدق فجعل قوامها المطابقة للخارج والاعتقاد معًا ومن هنا أثبت الواسطة بين الصدق والكذب، وقريب منه قول الراغب، ويشبه أن يكون الخلاف لفظيًا ومحل بسطه في علمي الأصول والبلاغة.
والمعنى إن كنتم صادقين في دعوى أن القرآن كلام بشر، فحذف متعلق صادقين لدلالة ما تقدم عليه، وجواب الشرط محذوف تدل عليه جملة مقدرة بعد جملة: {وادعوا شهداءكم من دون الله} إذ التقدير فتأتون بسورة من مثله ودل على الجملة المقدرة قوله قبلها: {فأتوا بسورة من مثله} وتكون الجملة المقدرة دليلًا على جواب الشرط فتصير جملة {إن كنتم صادقين} تكريرًا للتحدي.
وفي هذه الآية إثارة لحماسهم إذ عرض بعدم صدقهم فتتوفر دواعيهم على المعارضة. اهـ.

.قال الفخر:

قال القاضي هذا التحدي يبطل القول بالجبر من وجوه: أحدها: أنه مبني على تعذر مثله ممن يصح الفعل منه، فمن ينفي كون العبد فاعلًا لم يمكنه إثبات التحدي أصلًا وفي هذا إبطال الاستدلال بالمعجز.
وثانيها: أن تعذره على قولهم يكون لفقد القدرة الموجبة ويستوي في ذلك ما يكون معجزًا، وما لا يكون فلا يصح معنى التحدي على قولهم.
وثالثها: أن ما يضاف إلى العبد فالله تعالى هو الخالق له فتحديه تعالى لهم يعود في التحقيق إلى أنه متحد لنفسه وهو قادر على مثله من غير شك فيجب أن لا يثبت الإعجاز على هذا القول ورابعها: أن المعجز إنما يدل بما فيه من نقض العادة، فإذا كان قولهم: إن المعتاد أيضًا ليس بفعل لم يثبت هذا الفرق فلا يصح الاستدلال بالمعجز.
وخامسها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم يحتج بأنه تعالى خصه بذلك تصديقًا له فيما ادعاه ولو لم يكن ذلك من قبله تعالى لم يكن داخلًا في الإعجاز.
وعلى قولهم بالجبر لا يصح هذا الفرق، لأن المعتاد وغير المعتاد لا يكون إلا من قبله، والجواب.
أن المطلوب من التحدي إما أن يأتي الخصم بالمتحدى به قصدًا أو أن يقع ذلك منه اتفاقًا، والثاني باطل، لأن الاتفاقيات لا تكون في وسعه، فثبت الأول وإذا كان كذلك ثبت أن إتيانه بالتحدي موقوف على أن يحصل في قلبه قصد إليه، فذلك القصد إن كان منه لزم التسلسل وهو محال، وإن كان من الله تعالى فحينئذٍ يعود الجبر ويلزمه كل ما أورده علينا فيبطل كل ما قال. اهـ.